تشكل محفظة MPC جوهرًا مبتكرًا يقوم على فكرة أن المفتاح الخاص لا يُنشأ بالكامل أبدًا. تبدأ العملية بما يعرف بإنشاء المفتاح الموزع (Distributed Key Generation - DKG)، حيث يشارك عدة أطراف في توليد مفتاح تشفيري دون أن يعلم أي طرف بالسر الكامل للمفتاح. يقوم كل مشارك بإنتاج حصة جزئية ويتبادل التزامات قابلة للتحقق مع بقية الأطراف. بهذه الطريقة، يتوصل المشاركون جماعيًا إلى مفتاح عام متوافق مع الحصص الخاصة الموزعة، ويظل المفتاح الخاص الكامل غير موجود في أي لحظة زمنية أو على أي جهاز منفرد.
يمثل هذا التفريق عنصرًا جوهريًا لأنه يزيل المخاطر المرتبطة بالمحافظ التقليدية حيث يولد المفتاح الخاص على جهاز واحد، ما يجعله عرضة للاختراق الفوري. عند اختراق هذا الجهاز، تصبح المحفظة بالكامل في خطر. أما في محافظ MPC، فلا يمكن لأي طرف السيطرة على النظام بمفرده، حتى الطرف الذي أنشأ المحفظة لا يستطيع إعادة تكوين المفتاح الخاص إلا بتعاون الأطراف الأخرى. تعزز هذه الخاصية من مستوى الأمان، وتنقل الثقة من الأجهزة الفردية إلى البروتوكولات الجماعية.
اعتمدت الأساليب التقليدية لإدارة المفاتيح الموزعة غالبًا على تقنية مشاركة الأسرار لشامير (Shamir’s Secret Sharing - SSS)، حيث يُقسم السر - مثل المفتاح الخاص - إلى عدة حصص، ويمكن تجميع عدد معين (العتبة) لاستعادة السر. رغم أن هذا النظام وفّر مرونة واحتياطًا، إلا أنه يواجه نقصًا أساسيًا، ففي لحظة إعادة التكوين يُكشف السر الكامل، وقد يتعرض للسرقة في حال وجود مهاجم. أما أنظمة التوقيع الحدية التي تدعم محافظ MPC الحديثة فتتفادى هذه المشكلة؛ بدلاً من إعادة تكوين المفتاح، تتيح للأطراف توليد توقيعات جزئية على حصصهم، وتُدمج هذه التوقيعات لتكوين توقيع نهائي معتمد من البلوكشين، دون الحاجة لوجود المفتاح الكامل على الإطلاق.
يمثل التحول من إعادة التكوين إلى الاحتساب نقلة نوعية في المجال. إذ أصبحت الحصص عناصر نشطة في العملية التشفيرية بدلًا من كونها مجرد نسخ احتياطية. تكمن أهمية ذلك في أن النظام لم يعد يعتمد على الثقة في دمج الحصص في ظروف آمنة، بل يضمن ألا تحتاج للدمج مطلقًا. يحقق هذا ضمانات أمنية أقوى ويجعل النظام أكثر مقاومة لتهديدات اختراق المفاتيح الشائعة.
عند قيام مستخدم محفظة MPC ببدء معاملة، تحدث عملية التوقيع بشكل جماعي وتعاوني؛ حيث يستخدم كل طرف حصته لحساب توقيع جزئي. تجرى الحسابات عبر أجهزة متعددة، خوادم، أو وحدات أمنية متخصصة، حسب إعدادات المحفظة. بعد إنتاج التوقيعات الجزئية، ترسل إلى جهة تجميع تقوم بدمجها في توقيع رقمي واحد. النتيجة النهائية تكون مطابقة تمامًا للتوقيع القياسي المعتمد، مثل ECDSA أو EdDSA، وهما معياران مستخدمان على نطاق واسع في شبكات البلوكشين. بفضل هذا التطابق، لا تحتاج البلوكشين إلى تعديل بنيتها لقبول التوقيعات الحدية، فهي تتحقق منها كأي توقيع تقليدي.
من وجهة نظر المستخدم، تتم العملية بسلاسة؛ إذ يقتصر دوره على الضغط للموافقة على المعاملة، بينما يتولى النظام كافة العمليات الحسابية في الخلفية. ومع ذلك، يشكل النهج الأمني فارقًا حاسمًا؛ فلا يمكن لأي جهاز أو خادم أو طرف منفرد إنتاج توقيع صالح بمفرده، إذ تتطلب العملية تعاونًا جماعيًا لفرض الثقة الموزعة. حتى في حال اختراق أحد المشاركين، يبقى النظام آمنًا ما لم يتحقق نصاب التوقيع المطلوب. يحقق هذا الترتيب توازنًا مثاليًا بين سهولة الاستخدام والأمان، ويوفر تجربة محفظة تتميز بالبساطة وسرعة الأداء، معتمدًا في جوهرها على تقنيات تشفير متقدمة.
تتميز محافظ MPC بمرونة معمارية واسعة، إذ يمكن تصميمها لتوزيع الحصص على أجهزة متعددة يملكها المستخدم نفسه، مثل الهاتف الذكي، وحدة الأمان المادية، وخدمة السحابة، ما يمنح النظام احتياطًا إضافيًا ويحافظ على سلامة المحفظة حتى في حال اختراق جهاز منفرد. أما في سياق المؤسسات، فتوزع الحصص بين كيانات متعددة، مثل إدارات مختلفة في الشركة، مدراء تنفيذيين، أو مزيج من أمناء داخليين وخارجيين، مع الهدف الدائم: تقليل احتمالية إساءة أي طرف استخدام المفتاح أو فقدان السيطرة عليه.
يفتح توزيع الحصص مجالًا لحوكمة متقدمة، حيث يمكن ضبط المحفظة لتسمح بتوقيع المعاملات عبر عدد محدد من الحصص فقط؛ على سبيل المثال، ثلاثة من أصل خمسة حصص تكفي للتوقيع، بينما تبقى البقية احتياطية. وقد تتنوع العتبات حسب حجم أو نوع المعاملة، فتحويلات اليوميات تتطلب نصابًا أقل، بينما التحويلات الكبرى تحتاج إلى مجموعة أكبر. يضمن النظام تطبيق هذه القوانين مباشرة عبر بروتوكولات التشفير، لتكون محصنة ضد التلاعب وشفافة بالكامل.
من بين الميزات المتقدمة لمحافظ MPC القدرة على مشاركة الأسرار الاستباقية، ما يتيح تحديث الحصص بشكل دوري دون تغيير المفتاح العام أو كشف السر الأساسي. مع مرور الوقت، قد تصبح الحصص معرضة للخطر إذا تمكن مهاجم من اختراق أجهزة معينة تدريجيًا. تحد بروتوكولات التحديث الاستباقي من هذا التهديد حيث تتيح إعادة توليد الحصص بين المشاركين لتبقى متوافقة مع نفس المفتاح العام. بذلك، تبقى المحفظة نشطة بنفس العنوان، ويُجدد توزيع السر بشكل مستمر، فيقل احتمال الاختراق طويل الأجل.
تمنح هذه التقنية مستوى من الأمان الديناميكي غير متوفر في المحافظ التقليدية، حيث يتطلب اختراق المفتاح غالبًا نقل الأموال إلى عنوان جديد، ما يشكل عبئًا تشغيليًا وتهديدًا للاستقرار. أما مع التحديث الاستباقي، يمكن للمؤسسات الاحتفاظ بنفس عناوين المحافظ لفترات طويلة مع تعزيز الأمن الداخلي دون انقطاع. تؤكد هذه الخاصية كيف أن MPC نجح في تجاوز خصائص الأمان التقليدية، ليقدم حلاً أكثر تطورًا وسلامة.